فصل: بَابُ مَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْإِقْرَارِ بِالزُّيُوفِ:

(قَالَ) رَحِمَهُ اللَّهُ: رَجُلٌ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ وَلَا يُصَدَّقُ إنْ فَصَلَ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الزُّيُوفِ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَحْصُلَ بِهَا الِاسْتِيفَاءُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا، وَلَكِنْ فِيهِ تَعْبِيرٌ لِمَا اقْتَضَاهُ أَوَّلُ الْكَلَامِ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ؛ لِأَنَّ بِيَاعَاتِ النَّاسِ تَكُونُ بِالْجِيَادِ دُونَ الزُّيُوفِ وَمِثْلُ هَذَا الْبَيَانِ يَكُونُ صَحِيحًا إذَا كَانَ مَوْصُولًا كَقَوْلِهِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَفُلَانٍ خَمْسَةٌ.
تَوْضِيحُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ اسْتِثْنَاءً لِلْوَصْفِ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ بَعْضِ الْمِقْدَارِ بِأَنْ قَالَ: الْأَمَانَةُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مَوْصُولًا فَهَذَا مِثْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: الزِّيَافَةُ فِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي سَلَامَةَ الثَّمَنِ عَنْ الْعَيْبِ فَلَا يُصَدَّقُ هُوَ فِي دَعْوَى كَوْنِ الثَّمَنِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ مُعَيَّنًا كَمَا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمَبِيعَ مَعِيبٌ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَهُ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْعَيْبَ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا مَا هُوَ مُقْتَضٍ لِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَهُوَ السَّلَامَةُ عَنْ الْعَيْبِ، وَفِي قَوْلِهِ كَانَ مَعِيبًا يَصِيرُ رَاجِعًا وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ غَيْرُ صَحِيحٍ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الدَّارِ مُطْلَقًا حَتَّى يُسْتَثْنَى مِنْ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّ ثُبُوتَ صِفَةِ الْجَوْدَةِ بِمُقْتَضَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمِقْدَارِ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ يَتَنَاوَلُ الْقَدْرَ وَاسْتِثْنَاءُ الْمَلْفُوظِ صَحَّ لِيَصِيرَ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَلِأَنَّ الصِّفَةَ بَيْعٌ لِلْأَصْلِ فَثُبُوتُهُ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ، فَأَمَّا بَعْضُ الْمِقْدَارِ لَا يَتْبَعُ النَّقْضَ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْقَدْرِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيَانٍ لِلْعَيْبِ بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمِقْدَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ فَكَانَ هُوَ وَثَمَنُ الْبَيْعِ سَوَاءً، وَالِاسْتِقْرَاضُ مُتَعَامَلٌ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ كَالْبَيْعِ، وَذَلِكَ فِي الْجِيَادِ عَادَةً وَذُكِرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هُنَا يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ إنَّمَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْتَقْرَضِ بِالْقَبْضِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفِ رَدُّهُمْ غَصْبٌ فَادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا إلَّا أَنَّ هُنَا لَا يُصَدَّقُ إذَا فَصَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ النَّاسِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ فَهُوَ مَا لَوْ بَيَّنَ سَبَبَ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُنَا يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ إنَّمَا تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِمُقْتَضَى عَقْدِ التِّجَارَةِ، فَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي كَلَامِهِ بِجِهَةِ التِّجَارَةِ لَا تَصِيرُ صِفَةُ الْجُودَةِ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَا مُطْلَقَ إقْرَارِهِ عَلَى جِهَةِ التِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ فَحَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ أَوْلَى.
وَإِذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً، وَقَالَ هُوَ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ زُيُوفٌ صَدَقَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ مُوجِبٌ فِي الْجِيَادِ دُونَ الزُّيُوفِ، وَلَكِنَّ الْغَاصِبَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَالْمُودِعَ إنَّمَا يُودِعُ غَيْرَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ فَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا زُيُوفٌ مُعْتَبَرٌ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فَلِهَذَا صَحَّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا وَلَوْ قَالَ فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ إلَّا أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ، فَإِنْ قَالَ مَوْصُولًا صُدِّقَ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّحَوُّرُ بِهَا فِي بَابِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَكَانَ فِي هَذَا الْبَيَانِ تَعْبِيرًا لِمَا اقْتَضَاهُ أَوَّلُ كَلَامِهِ مِنْ تَسْمِيَةِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الدَّرَاهِمَ صُورَةً وَحَقِيقَةً وَتَأْخِيرُ كَلَامِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مُرَادَهُ الدَّرَاهِمُ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، وَبَيَانُ التَّعْبِيرِ صَحِيحٌ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ الزُّيُوفَ دَرَاهِمُ صُورَةً وَحَقِيقَةً فَلَيْسَ فِي بَيَانِهِ تَعْبِيرٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ كُرْ حِنْطَةً مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ رَدِيءٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الْحِنْطَةِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فَإِنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَالْحِنْطَةُ قَدْ تَكُونُ رَدِيئَةً فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَهُوَ فِي مَعْنَى بَيَانِ النَّوْعِ، وَلَيْسَ لِمُطْلَقِ الْعَقْدِ مُقْتَضًى فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَلِهَذَا صَحَّ الشِّرَاءُ بِالْحِنْطَةِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيئَةٌ فَلَيْسَ فِي بَيَانِهِ هَذَا تَعْبِيرٌ مُوجِبٌ أَوَّلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ عَلَى هَذَا فَالرَّدَاءَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْجَيِّدُ أَفْضَلَ فِي الْمَالِيَّةِ لِزِيَادَةٍ الرَّغْبَةِ فِيهِ، وَلَكِنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِكُرِّ حِنْطَةٍ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ رَدِيءٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صُدِّقَ فِي ثَمَنِ الْبَيْعِ فَفِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِطَعَامٍ، قَدْ أَصَابَهُ الْمَاءُ وَعَفَنَ، فَقَالَ هَذَا الَّذِي غَصَبْتُهُ أَوْ أُودِعْتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ مُوجِبٌ فِي التَّسْلِيمِ مِنْهُ دُونَ الْعَيْبِ، وَلَكِنَّهُ بِحَسَبِ مَا يُتَّفَقُ فَكَانَ بَيَانُهُ مُطْلَقًا لِلَفْظِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: غَصَبْتُهُ ثَوْبًا يَهُودِيًّا، ثُمَّ جَاءَ بِثَوْبٍ مُنْخَرِقٍ خَلَقٍ، فَقَالَ هُوَ هَذَا كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اسْتَوْدَعَنِي عَبْدًا، ثُمَّ جَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ، فَقَالَ هُوَ هَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَتَى وَقَعَ فِي صِفَةِ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا.
وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي عَيْنِهِ لِأَنَّ الْقَابِضَ يُنْكِرُ قَبْضَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ سِوَى مَا عَيَّنَهُ وَالْقَبْضُ عَلَى وَجْهِ الْعَيْبِ الْوَدِيعَةِ يَتَحَقَّقُ فِيمَا عَيَّنَهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ إقْرَارِهِ، وَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ إقْرَارِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِي إنْكَارِ قَبْضِ مَا عَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ أَفْلُسٍ قَرْضٌ أَوْ ثَمَنُ بَيْعٍ، ثُمَّ قَالَ هِيَ مِنْ الْفُلُوسِ الْكَاسِدَةِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ فَدَعْوَاهُ الْجِيَادَ فِي الْفُلُوسِ كَدَعْوَى الزِّيَافَةِ فِي الدَّرَاهِمِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْقَرْضِ هُوَ مُصَدَّقٌ إذَا وَصَلَ كَمَا لَوْ ادَّعَى الزِّيَافَةَ فِي الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ الْكَاسِدَةَ مِنْ جِنْسِ الْفُلُوسِ وَبِالْجِيَادِ نُقِلَ رَغَائِبُ النَّاسِ فِيهَا كَمَا نُقِلَ بِالزِّيَافَةِ فِي الدَّرَاهِمِ.
فَأَمَّا فِي الْبَيْعِ كَانَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيَانٌ يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِقْرَارُهُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارَ الصِّحَّةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْفَسَادِ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا كَمَا لَوْ ادَّعَى الْفَسَادَ لِجِيَادٍ أَوْ أَجَلٍ مَجْهُولٍ بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ فِي الدَّرَاهِمِ فَلَيْسَ فِي هَذَا دَعْوَى فَسَادِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ فُلُوسٌ وَبِأَوَّلِ كَلَامِهِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ رُجُوعًا وَبِهِ فَارَقَ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّ بِدَعْوَى الْكَسَادِ هُنَاكَ لَا يَصِيرُ مُدَّعِيًا أَنَّهُ لَا فُلُوسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ بِالْكَسَادِ لَا يَبْطُلُ الْقَرْضُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَصَلَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَبِيعِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْكَاسِدَةَ مِنْ الْفُلُوسِ مِنْ جِنْسِ الرَّائِجَةِ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ صِفَةُ الثَّمِينَةِ لِيَثْبُتَ الْكَسَادُ فَهُوَ وَدَعْوَاهُ الزِّيَافَةَ فِي الدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ، ثُمَّ فَسَادُ الْبَيْعِ وَسُقُوطُ الْفُلُوسِ هُنَا كَانَ لِمَعْنًى حُكْمِيٍّ لَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا يَصِيرُ كَلَامُهُ بِهِ رُجُوعًا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى شَرْطًا مُفْسِدًا؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ هُنَاكَ بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَإِذَا صُدِّقَ هُنَا صَارَ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ عَايَنَاهُ اسْتَوَى بِفُلُوسٍ، ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَذَلِكَ هُنَا.
وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ سَتُّوقَةٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ بَيْعٍ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ كَالْفُلُوسِ فَإِنَّهُ مُمَوَّهٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَوْلُهُ سَتُّوقَةٌ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةُ سِرْطَاقَةَ: الطَّاقُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ فِضَّةٌ وَالْأَوْسَطُ صُفْرٌ وَالزُّيُوفُ اسْمٌ لِمَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ التِّجَارَةُ.
وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُهُ عَشَرَةَ أَفْلُسٍ أَوْ قَالَ أَوْدَعْتُهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ الْفُلُوسِ الْكَاسِدَةِ كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الْكَاسِدَةَ مِنْ الْفُلُوسِ مِنْ جِنْسِ الْفُلُوسِ حَقِيقَةً وَصُورَةً، وَلَيْسَ لِلْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ مُوجِبٌ فِي الرَّائِجَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَيَانِهِ تَعْبِيرٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ فَصَحَّ مِنْهُ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ مَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ:

(قَالَ) رَحِمَهُ اللَّهُ: رَجُلُ قَالَ لِآخَرَ: اقْضِي الْأَلْفَ الَّتِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَدْ أَدَّيْتُهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْجَوَابِ، وَهُوَ صَالِحٌ لِلْجَوَابِ فَيَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ كَالْمُعَادِ فِيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ نَعَمْ أُعْطِيكَ الْأَلْفَ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ.
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَنْبَنِي بَعْضُ مَسَائِلِ الْبَابِ وَبَعْضُ الْمَسَائِلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ كَلَامًا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَيَكُونُ مَفْهُومَ الْمَعْنَى يُجْعَلُ مُبْتَدِئًا فِيهِ لَا مَحَالَةَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ مَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَوَابِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا قَالَ سَأُعْطِيكَهَا أَوْ غَدًا أُعْطِيكَهَا أَوْ سَوْفَ أُعْطِيكَهَا فَإِنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ كِنَايَةٌ عَنْ الْأَلْفِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَتْ إعَادَتُهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ كَإِعَادَتِهِ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ بِأَنْ يَقُولَ سَأُعْطِيكَ الْأَلْفَ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ فَأَقْعِدْهَا فَأَثِّرْ بِهَا فَانْتَقِدْهَا فَأَقْبِضْهَا أَوْ لَمْ يَقُلْ أَقْعِدْ، وَلَكِنْ قَالَ أَبِرَّهَا أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ خُذْهَا؛ لِأَنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ فِي هَذَا كُلِّهِ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى الْجَوَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَثِّرْنَ أَوْ انْتَقِدْ أَوْ خُذْ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَيُحْمَلُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ بِالْكَلَامِ حَقِيقَةً فَتَرْكُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ إلَى أَنْ يُجْعَلَ كَلَامُهُ لِلْجَوَابِ لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا فَجَعَلْنَا ابْتِدَاءً وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَثِّرْنَ أَيْ اُقْعُدْ وَأَرْثِ لِلنَّاسِ وَاكْتَسِبْ بِهِ وَلَا تُؤْذِينِي بِدَعْوَى الْبَاطِلِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ابْتَعِدْ وَقَوْلُهُ خُذْ أَيْ خُذْ حِذْرَكَ مِنِّي فَلَا أُعْطِيكَ شَيْئًا بِدَعْوَى الْبَاطِلِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ ابْتِدَاءً، وَلَوْ قَالَ لَمْ تَحِلَّ بَعْدُ فَهَذَا إقْرَارٌ فَإِنَّ التَّاءَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تَحِلَّ كِنَايَةٌ عَنْ الْأَلْفِ فَكَانَ كَلَامُهُ جَوَابًا، وَهَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ دَعْوَى التَّأْجِيلِ وَلَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ فَلِهَذَا كَانَ مُقِرًّا بِأَصْلِ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَدًا؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَوَابِ وَهَذَا اسْتِمْهَالٌ لِلْقَضَاءِ إلَى الْغَدِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَرْسِلْ غَدًا مَنْ يَزِنُهَا أَوْ مَنْ يَقْبِضُهَا؛ لِأَنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ كِنَايَةٌ عَنْ الْأَلْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى الْجَوَابِ وَمُطَالَبَتِهِ بِإِرْسَالِ مَنْ يَسْتَوْفِي مِنْهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَيْسَتْ الْيَوْمَ عِنْدِي؛ لِأَنَّ التَّاءَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَالتَّعَلُّلُ بِالْعَشَرَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فَكَانَ مُقِرًّا بِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَيْسَتْ بِمُهَيَّأَةٍ الْيَوْمَ بِمُيَسَّرَةٍ الْيَوْمَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَيْسَتْ بِمُيَسَّرَةٍ الْيَوْمَ فَهُوَ جَوَابٌ؛ لِأَنَّ التَّاءَ كِنَايَةٌ عَنْ الْأَلْفِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَجِّلْنِي فِيهَا فَطَلَبَ التَّأْجِيلَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ، وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ كَلَامُهُ جَوَابًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا أَكْثَرَ مَا يَتَقَاضَى بِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَعَمَمْتَنِي بِهَا أَوْ أَبْرَمْتَنِي بِهَا أَوْ أَدَّيْتَنِي فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّبَرُّمَ مِنْ كَثْرَةِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ هَذَا الْأَذَى وَلَا انْتِقَادَ لِهَذِهِ الْمُطَالَبَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالُ وَاجِبًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَكُونُ لَا أَفُضَّكَهَا وَلَا أَزِنُهَا لَكَ الْيَوْمَ أَوْ لَا يَأْخُذُهَا مِنِّي الْيَوْمَ، الْكِنَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَرْفِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ الْقَضَاءُ وَالْوَزْنُ وَالْأَخْذُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْمَالِ وَاجِبًا فَالْقَضَاءُ يَكُونُ مُنْتَفِيًا أَبَدًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَكُّدِ نَفْيِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُنْتَفٍ، وَلَوْ قَالَ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ مَالِي أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ عَلَيَّ غُلَامِي فَهَذَا إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ حَتَّى لِلْغَايَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ لِيَكُونَ مَا ذُكِرَ غَايَةً لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَالِ الْمُدَّعَى فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَفُضَّكَهَا حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ مَالِي.
وَلَوْ قَالَ: أَقْضِي الْمِائَةَ الَّتِي لِي عَلَيْكَ فَإِنَّ غُرَمَائِي لَا يَدَعُونِي، فَقَالَ أَحِلْ عَلَيَّ بِهَا بَعْضَهُمْ أَوْ مَنْ تَسَبَّبَ مِنْهُمْ أَوْ ائْتِنِي مِنْهُمْ أَضْمَنَهَا لَهُ أَوْ احْتَالَ عَلَيَّ بِهَا فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ بِذِكْرِ حَرْفِ الْكِنَايَةِ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ، وَلِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ أَوْ يَكُونُ مِلْكٌ لَهُ فِي يَدِهِ لَهُ بِتَقَيُّدِ الْحَوَالَةِ بِهَا.
وَلَوْ قَالَ: قَدْ قَضَيْتُهَا فَهَذَا إقْرَارٌ بِذِكْرِ حَرْفِ الْكِنَايَةِ، وَلِأَنَّهُ ادَّعَى الْقَضَاءَ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ لَا يَسْبِقُ وُجُوبَهُ فَصَارَ بِهِ مُقِرًّا بِالْوُجُوبِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، وَهُوَ يَعْقُبُ الْوُجُوبَ وَلَا يَسْبِقُهُ فَدَعْوَاهُ الْإِسْقَاطَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِ سَابِقٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ حَسَبْتُهَا لَكَ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ دَعْوَى الْقَضَاءِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ حَلَلْتَنِي مِنْهَا فَهَذَا بِمَعْنَى دَعْوَى الْإِبْرَاءِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ وَهَبْتَهَا إلَيَّ أَوْ تَصَدَّقْتَ بِهَا عَلَيَّ فَهَذَا دَعْوَى التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: قَدْ أَحَلْتُكَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَدَعْوَاهُ الْحَوَالَةَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِهَا لَا مَحَالَةَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتَنِي هَذَا الْعَبْدَ فَادْفَعْهُ إلَيَّ أَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ وَدِيعَةٌ فِي يَدِكَ أَوْ عَارِيَّةٌ فَادْفَعْهُ إلَيَّ أَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ وَدِيعَةٌ فِي يَدِكَ أَوْ عَارِيَّةٌ فَادْفَعْهُ إلَيَّ، فَقَالَ: غَدًا، فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَوَابِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ سَأُعْطِيكَهَا؛ لِأَنَّ الْهَاءَ كِنَايَةٌ عَنْ الْعَبْدِ فَمَعَ ذِكْرِ حَرْفِ الْكِنَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى الْجَوَابِ.
وَلَوْ قَالَ بِعْ مِنِّي عَبْدِي هَذَا أَوْ اسْتَأْجِرْهُ مِنِّي أَوْ قَالَ أَكْرَيْتُكَ دَارِي هَذِهِ أَوْ أَعَرْتُكَ دَارِي هَذِهِ، فَقَالَ نَعَمْ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ لَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ نَعَمْ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْجَوَابِ مَا تَقَدَّمَ يَصِيرُ مُعَادًا فِيهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ادْفَعْ إلَيَّ حُلَّةَ عَبْدِي هَذَا أَوْ أَعْطِنِي ثَوْبَ عَبْدِي هَذَا، فَقَالَ نَعَمْ، فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ نَعَمْ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أُعْطِيكَ ثَوْبَ عَبْدِكَ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ نَصًّا، وَفِي الثَّوْبِ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثَّوْبَ إلَى الْعَبْدِ الَّذِي أَضَافَهُ إلَيْهِ بِالْمِلْكِيَّةِ فَتَرْكُ إضَافَتِهِ إلَى مَمْلُوكِهِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ إضَافَتِهِ إلَيْهِ فَصَارَ بِهِمَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ افْتَحْ بَابَ دَارِي هَذِهِ أَوْ خَصِّصْ دَارِي هَذِهِ أَوْ أَسْرِجْ دَابَّتِي هَذِهِ أَوْ أَلْجِمْ بَغْلِي هَذَا أَوْ أَعْطِنِي سَرْجَ بَغْلِي هَذَا أَوْ لِجَامَ بَغْلِي هَذَا، فَقَالَ نَعَمْ فَهَذَا إقْرَارٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ نَعَمْ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ صَارَ لَغْوًا وَكَلَامُ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى اللَّغْوِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ، وَلَوْ قَالَ لَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ قَالَ يَكُونُ إقْرَارًا.
أَمَّا إذَا قَالَ لَا أُعْطِيكَهَا الْيَوْمَ أَوْ قَالَ لَا أُعْطِيكَهَا أَبَدًا فَهَذَا إقْرَارٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْإِعْطَاءِ إمَّا مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا، وَالْكِنَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِهِ تَنْصَرِفُ إلَى مَا سَبَقَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أُعْطِيكَ سَرْجَ بَغْلِكَ أَوْ لِجَامَ بَغْلِكَ وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْعَيْنِ لَهُ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ حَرْفَ لَا فَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ هَذَا نَفْيٌ لِمَا طَلَبَهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ الْإِعْطَاءَ فَكَانَ هَذَا نَفْيًا لِلْإِعْطَاءِ فَيُجْعَلُ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْعَيْنِ لَهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ أَنْ لَا جَوَابُ هُوَ نَفْيٌ فَيَكُونُ مُوجَبُهُ ضِدَّ مُوجَبِ جَوَابٍ هُوَ إثْبَاتٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ نَعَمْ، فَإِذَا جُعِلَ ذَلِكَ إقْرَارًا عَرَفْنَا أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ نَفْيُ جَمِيعِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أُعْطِيكَ، وَلَيْسَ الْبَغْلُ وَالسَّرْجُ وَاللِّجَامُ لَكَ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَالِحٌ لِنَفْيِ جَمِيعِ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُعْطِيكَهَا وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ إنَّمَا لَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ وَنَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ} وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ التَّقْرِيرِ فِي الْمِائَةِ، وَلَكِنْ قَالَ: لَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا فَعِنْدَ ذِكْرِ حَرْفِ التَّقْرِيرِ أَوْلَى.
وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ وَلَكِنْ دِرْهَمٌ فَلَمْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَيْسَ لِلنَّفْيِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْإِثْبَاتِ وَلَا يُقَالُ لِمَا خَصَّ الْمِائَةَ بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَا دُونَهُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ عِنْدَنَا وَالْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا يُجْعَلُ هَذَا اللَّفْظُ إقْرَارًا بِشَيْءٍ بِاعْتِبَارِ الْمَنْظُومِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ.
وَلَوْ قَالَ فَعَلْتُ كَذَا إذَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْمَاضِي وَكَلِمَةَ إذَا لِلْمُسْتَقْبِلِ وَمَعْنَاهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ لَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ، فَقَدْ عُرِفَ وَقْتٌ فَعَلَيْهِ بِالْمَالِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فَصَارَ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ فَعَلْت كَذَا يَوْمَ أَقْرَضْتَنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَدْ عُرِفَ الْوَقْتُ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْ الْفِعْلِ فِيهِ بِالزَّمَانِ الَّذِي أَقْرَضَهُ فِيهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِالْإِقْرَاضِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ قَالَ أَقْرَضْتُكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَا أَعُودُ لَهَا وَلَا أَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذَا إقْرَارٌ لِوُجُودِ حَرْفِ الْكِنَايَةِ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ الْهَاءُ وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ إلَّا بَعْدَ الْبَدْءِ فَيَضْمَنُ هَذَا الْإِقْرَارَ بِابْتِدَاءِ إقْرَاضِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ فِي هَذَا إظْهَارُ سُوءِ مُعَامَلَتِهِ وَقِلَّةِ مُسَامَحَتِهِ مَعَ غُرَمَائِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَخَذْتُ مِنِّي مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَا أَعُودُ لَهَا فَهَذَا بَيَانٌ لِلْأَخْذِ عِنْدَ نَفْيِ الْعَوْدِ عَلَى مَنْ أَخَذَ ضَمَانَ الْمَأْخُوذِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ».
وَلَوْ قَالَ لَمْ أَغْصِبْكَ إلَّا هَذِهِ الْمِائَةَ كَانَ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا فَعَلُوهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ آكَدُ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِثْبَاتِ، دَلِيلُهُ كَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِغَصْبِ الْمِائَةِ بِمَا هُوَ آكَدُ الْأَلْفَاظِ، وَغَيْرُ وَسِوَى مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إلَّا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا أَغْصِبُكَ بَعْدَ هَذِهِ الْمِائَةِ شَيْئًا فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ بَعْدَ غَصْبِي مِنْكَ هَذِهِ الْمِائَةَ لَا أَغْصِبُكَ شَيْئًا فَهَذَا إظْهَارٌ لِلتَّوْبَةِ مِنْ غَصْبٍ بَاشَرَهُ وَوَعْدٌ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَمْ أَغْصِبْكَ مَعَ هَذِهِ الْمِائَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَعَ لِلضَّمِّ وَالْقِرَانِ، فَقَدْ نَفَى انْضِمَامَ شَيْءٍ إلَى الْمِائَةِ فِي حَالِ غَصْبِهِ إيَّاهَا، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ غَصْبِ الْمِائَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَمْ أُغْصَبْ أَحَدًا بَعْدَكَ أَوْ قَبْلَكَ أَوْ مَعَكَ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ قَدْ غَصَبَهُ إيَّاهُ لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ قَالَ أَقْرَضْتُكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ مَا اسْتَقْرَضْتُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاكَ أَوْ مِنْ أَحَدِ غَيْرَكَ أَوْ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَكَ أَوْ لَا أَسَتَقْرِضُ مِنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ أَوْ لَمْ أَسْتَقْرِضُ مِنْ أَحَدٍ مَعَكَ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ لَا اسْتَقْرَضْتُ مِنْكَ وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ إذَا أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ طَلَبُ الْقَرْضِ فَإِنَّ أَهْلَ النَّحْوِ يُسَمُّونَ هَذِهِ السِّينَ سِينُ السُّؤَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ طَلَبَ شَيْئًا وَجَدَهُ وَلَا مَنْ سُئِلَ شَيْئًا أَعْطَى فَلَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِهِ مَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ وَهَذِهِ مِنْ أَعْجَبْ الْمَسَائِلِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ مُوجِبٌ لِلْمَالِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ أَقْرَضَنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ وَإِقْرَارُهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا بِأَنْ يَقُولَ اسْتَقْرَضْتُ مِنْكَ.
وَلَوْ قَالَ مَا لَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ سِوَى مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْمِائَةِ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفْيِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الْإِثْبَاتِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا لَكَ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمِائَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْمِائَةِ وَمَا ثَبَتَ بِالدَّلَالَةِ فَهُوَ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ.
وَلَوْ قَالَ مَا لَكَ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا أَقَلُّ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارٌ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا إقْرَارًا بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِالْمِائَةِ، وَلَكِنَّهُ اعْتَبَرَ الْفَرْقَ الظَّاهِرِ، وَقَالَ فِي الْعَادَةِ نَفْيُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ يَكُونُ مُبَالَغَةً فِي النَّفْيِ كَمَنْ يَقُولُ لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ فَهَذَا لَا يَكُونُ مِسَاسًا، ثُمَّ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ مَا دُونَ الْمِائَةِ وَاجِبًا، وَذَلِكَ بِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ الْمِائَةُ وَاجِبَةً ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ إذَا وَجَبَتْ كَانَ مَا دُونَهَا وَاجِبًا وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ وُجُوبِ مَا دُونَ الْمِائَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا أَقَلُّ عَطْفٌ وَحُكْمُ الْعَطْفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ نَفْيًا لِلْوُجُوبِ فَكَذَلِكَ الْمَعْطُوفُ.
وَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ بَلْ تِسْعُمِائَةٍ كَانَ إقْرَارًا بِتِسْعِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَوَابِ مَعْنَاهُ بَلْ الْوَاجِبُ تِسْعُمِائَةٍ وَكَلِمَةُ بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ، فَقَدْ اسْتَدْرَكَ غَلَطَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي دَعْوَاهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ هَذَا الْمِقْدَارِ فَلِهَذَا كَانَ مُقِرًّا بِتِسْعِمِائَةٍ.
رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: أَخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إقْرَارً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إقْرَارٌ تَامٌّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْآمِرُ بِالْإِخْبَارِ فَكَذَلِكَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْآمِرُ بِالْإِخْبَارِ وَفَائِدَتُهُ طُمَأْنِينَةُ قَلْبِ صَاحِبِ الْحَقِّ أَنَّهُ غَيْرُ جَاحِدٍ لِحَقِّهِ بَلْ هُوَ يُظْهِرُ لِذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ حِينَ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يُخْبِرُوهُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَعْلِمْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ بَشِّرْهُ أَوْ قُلْ لَهُ أَوْ أَشْهِدْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ بَلْ أَظْهَرُ فَإِنَّ الْخَبَرَ قَدْ يَكُونُ صِدْقًا، وَقَدْ يَكُونُ كَذِبًا، وَالْإِعْلَامُ وَالْبِشَارَةُ وَالْإِشْهَادُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا هُوَ صِدْقٌ وَكَلِمَةُ الْإِقْرَارِ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ.
وَلَوْ قَالَ أَخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَعْلِمْهُ أَوْ أَبْشِرْهُ أَوْ أَقُولُ لَهُ أَوْ اشْهَدْ، فَقَالَ نَعَمْ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ فَصَارَ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِطَابِ مُعَادًا فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ إقْرَارًا.
وَلَوْ قَالَ وَجَدْتُ كِتَابِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ وَجَدْتُ فِي ذِكْرِي أَوْ حِسَابِي أَوْ بِخَطِّي أَوْ قَالَ كَتَبْتُ بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حَكَى مَا وَجَدَهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا وَجَدَهُ مَكْتُوبًا فِي كِتَابِهِ قَدْ يَكُونُ غَيْرُهُ كَاتِبًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ هُوَ الْكَاتِبَ لِتَجْزِئَةِ الْخَيْطِ وَالْعِلْمِ وَالْبَيَاضِ فَلَا يَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْإِقْرَارِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَاكَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَلَامُ إنْشَاءٍ وَالتَّكَلُّمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ مَوْضِعٍ وَجَدَهُ فِيهِ، وَكَانَ إقْرَارًا.
وَجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ بَلْخِي رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا فِي يذكار الْبَاعَةِ: إنَّ مَا يُوجَدُ فِيهِ مَكْتُوبًا بِخَطِّ الْبَيَّاعِ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُكْتَبُ فِي يذكاره إلَّا مَا لَهُ عَلَى النَّاسِ وَمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ صِيَانَةً لَهُ عَنْ النِّسْيَانِ كَذَلِكَ بِقَلَمِهِ، وَالنَّبَأُ فِي الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَاجِبٌ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ قَالَ الْبَيَّاعُ وَجَدْتُ فِي يذكاري بِخَطِّي أَوْ كَتَبْتُ فِي يذكاري بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إقْرَارًا مُلْزِمًا إيَّاهُ.
وَإِنْ قَالَ بِيَدِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ صَكٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الصَّكَّ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَا هُوَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ، وَقَدْ عَابُوا عَلَى مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ كَتَبْتُ بِيَدِي فَقَالُوا الْكِتَابَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْيَدِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَكُنَّا نَقُولُ: مِثْلُ هَذَا يُذْكَرُ لِلتَّأْكِيدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تُضَافُ إلَى الْآمِرِ بِهَا عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ بِنَفْسِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ بِيَدِي بَيَانًا يَزُولُ بِهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ.
وَلَوْ كَتَبَ لِفُلَانٍ عَلَى نَفْسِهِ صَكًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْقَوْمُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا كَانَ إقْرَارًا جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ عَلَى مَا أَظْهَرَهُ بِبَيَانِهِ فَكَأَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ بِبَيَانِهِ وَلَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ إلَّا مَا هُوَ الْوَثِيقَةُ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ.
رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اشْهَدْ عَلَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا وَقَوْلُهُ لَا تَشْهَدْ ضِدٌّ لِقَوْلِهِ اشْهَدْ فَكَانَ مُوجَبُهُ ضِدَّ مُوجَبِ قَوْلِهِ اشْهَدْ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالزُّورِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلَا يَشْهَدُ لَهُ بِالزُّورِ عَلَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ هَذَا نَفْيًا لِلْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ لَا إقْرَارًا بِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَا لِفُلَانِ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلَا يُخْبِرْهُ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ لَا يَقُلْ لَهُ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِالنَّفْيِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَهُ عَلَيَّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ فَكَانَ مُرَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُخْبِرْهُ بِمَا هُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَقُلْ لَهُ مَا هُوَ زُورٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَآخِرُ الْكَلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَوَّلِهِ خُصُوصًا إذَا وَصَلَهُ بِحَرْفِ الْفَاءِ، فَإِذَا كَانَ أَوَّلُهُ نَفْيًا عَرَفْنَا أَنَّ آخِرَهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ.
وَلَوْ ابْتِدَاءً، فَقَالَ لَا يُخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ لَا يَقُلْ لِفُلَانٍ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ النَّفْيَ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ قَوْلُهُ لَا يُخْبِرْ وَلَا يَقُلْ اسْتِكْتَامًا مِنْهُ لَهُ فَيَكُونُ إقْرَارًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَهُ عَلَى سِرٍّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا تُظْهِرْهُ بِاخْتِيَارِكَ أَوْ قَوْلِكَ لِفُلَانٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي آخِرِ الْبَابِ قَوْلَهُ لَا يُخْبِرْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَخْبَرُوا وَعَلَّلَ، فَقَالَ لَا تُخْبِرْ نَفْيٌ وَقَوْلُهُ أَخْبِرْ إقْرَارٌ فَحَصَلَ فِي قَوْلِهِ أَخْبِرْ رِوَايَتَانِ، وَفِي قَوْلِهِ لَا تَشْهَدْ أَيْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ الرِّوَايَةُ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ اشْهَدْ فَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ قَالَ الصَّحِيحُ فِي الْإِخْبَارِ هَكَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا تُخْبِرْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا كَمَا فَسَّرَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَاَلَّذِي وَقَعَ هُنَا غَلَطٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا تُخْبِرْ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَا تَشْهَدْ، فَقَالَ الشَّهَادَةُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْحَقِّ، قَوْلُهُ لَا تَشْهَدْ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ فَإِيَّاكَ أَنْ يَكْتَسِبَ سَبَبَ الْوُجُوبِ بِالشَّهَادَةِ لَهُ عَلَيَّ بِالزُّورِ، فَأَمَّا الْخَبَرُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ لَا يُخْبِرُ نَهْيًا عَنْ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَلَكِنَّهُ اسْتِكْتَامُ ذَلِكَ وَدَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِحَقِّهِ أَوْ بِحَقِّهِ أَوْ مِنْ حَقِّهِ أَوْ لِمِيرَاثِهِ أَوْ بِمِيرَاثِهِ أَوْ مِنْ مِيرَاثِهِ أَوْ لِمِلْكِهِ أَوْ بِمِلْكِهِ أَوْ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ لِأَجْلِهِ أَوْ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ لِشَرِكَتِهِ أَوْ بِشَرِكَتِهِ أَوْ مِنْ شَرِكَتِهِ أَوْ لِبِضَاعَتِهِ أَوْ بِبِضَاعَتِهِ أَوْ مِنْ بِضَاعَتِهِ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إقْرَارٌ تَامٌّ بِالدَّيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إلَى تَأْكِيدِ مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا التَّأْكِيدَ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْإِقْرَارِ وَأَنَّ الشَّفَاعَاتِ لَا تَجِيءُ فِي الدُّيُونِ لِيُحْمَلَ مَعْنَى اللَّامِ عَلَى الشَّفَاعَةِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ إقْرَارًا بِالْمَالِ.
وَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ، فَقَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُصَدَّقُ إذَا كَانَ مَوْصُولًا وَلَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ مَفْصُولًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ حَرْفٍ مِنْهُ، وَقَالَ إذَا كَانَ مَفْصُولًا لَا يُسْأَلُ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْمَالِ أَهُوَ ثَمَنُ بَيْعٍ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ: إنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ، وَإِنْ قَالَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى سِوَى الْبَيْعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرُّ لَهُ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَلَكِنَّهُ تَفْصِيلٌ فِيمَا أَجْمَلَهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بَيَانٌ لِسَبَبِ الْوُجُوبِ، فَإِذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي هَذَا السَّبَبِ ثَبَتَ السَّبَبُ بِتَصَادُقِهِمَا، ثُمَّ الْمَالُ بِهَذَا السَّبَبِ يَكُونُ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَجَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُنْكِرِ فِي إنْكَارِهِ الْقَبْضَ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي السَّبَبِ فَهَذَا بَيَانٌ مُعَبِّرٌ لِمُقْتَضَى مُطْلَقِ الْكَلَامِ لِأَنَّ مُقْتَضَى أَوَّلِ الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِالْمَالِ فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مُطَالَبًا بِهِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمَتَاعَ فَكَانَ بَيَانُهُ مُعَبِّرًا إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَبَيَانُ التَّغْيِيرِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مَوْصُولًا وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا إذَا كَانَ مَفْصُولًا.
تَوْضِيحُهُ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ مَا يَجِبُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ لَوْلَا هَذَا الْبَيَانُ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَتَاعِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَا يَكُونُ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْبَيَانُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْإِبْطَالِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مَوْصُولًا وَلَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مَفْصُولًا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ هَذَا رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَالرُّجُوعُ بَاطِلٌ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ ثَمَنِ مَتَاعٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ عَلَيْهِ، وَثَمَنُ مَتَاعٍ يَكُونُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ إذْ لَا طَرِيقَ لِلتَّوَصُّلِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ مَتَاعٍ يُحْضِرُهُ إلَّا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ الْمَبِيعُ غَيْرُ هَذَا وَتَسْلِيمُ الثَّمَنِ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِحْضَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفَرَّقْنَا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ وَثَمَنُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَهْلَكِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ.
تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ أَجَلًا إلَى غَايَةٍ، وَهُوَ إحْضَارُ الْمَتَاعِ وَلَا طَرِيقَ لِلْبَائِعِ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ ادَّعَى أَجَلَ ذَلِكَ شَهْرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ، فَإِذَا ادَّعَى أَجَلًا مُؤَبَّدًا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فَثَمَنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْلِمِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَصِحُّ إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ السَّبَبِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْإِبْطَالِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَلِأَنَّ الْخَمْرَ مُتَمَوَّلٌ يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ، وَقَدْ اعْتَادَ الْفَسَقَةُ شِرَاءَهَا وَأَدَاءَ ثَمَنِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَنَى إقْرَارَهُ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ، وَلَكِنْ فِيهِ تَعْبِيرٌ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِهِمَا.
وَلَوْ قَالَ: ابْتَعْتُ مِنْهُ شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِقْرَارُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ فَهُوَ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَقْبِضْهُ مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ لَا رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ الطَّالِبُ وَسَلَّمَهُ لَهُ أَخَذَهُ بِالْمَالِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ عَبْدُكَ لَمْ أَبِعْكَهُ إنَّمَا بِعْتُكَ غَيْرَهُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَخْبَرَ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ لَهُ، وَقَدْ سَلَّمَ الْعَبْدَ لَهُ حِينَ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ، ثُمَّ الْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّكَاذُبُ فِي السَّبَبِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُهُ مِنْكَ إنَّمَا بِعْتُكَ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْعَبْدَ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَإِذَا حَلَفَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ فِي هَذَا الْعَبْدِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ بِسَبَبِ بَيْعِ مَتَاعٍ قَدْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لِذَلِكَ مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ، وَلِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَبِيعِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ، فَإِذَا تَحَالَفَا انْتَفَتْ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَلِهَذَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ اقْبِضْهَا فَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ صَرِيحٌ بِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُودِعًا وَلَا يَحْصُلُ الْمَالُ عِنْدَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَكَانَ قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْهَا رُجُوعًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهَا لَمْ يُصَدَّقْ وَهَذَا رُجُوعٌ كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ قَالَ أَقْرَضْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَوْدَعْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَسْلَفْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَكِنِّي لَمْ أَقْبِضْهَا، فَإِنْ قَالَ مَوْصُولًا كَلَامُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ الْقَرْضُ وَالسَّلَمُ وَالسَّلَفُ وَالْعَطِيَّةُ فَكَانَ قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْهَا بَيَانًا لَا رُجُوعًا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ مَفْصُولًا فِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعَقْدِ فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ ابْتَعْتُ مِنْ فُلَانٍ بَيْعًا سَوَاءً.
تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْفِعْلَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي إنْكَارِهِ الْقَبْضَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ.
وَكَذَلِكَ السَّلَمُ وَالسَّلَفُ أَخْذٌ عَاجِلٌ بِآجِلٍ.
وَكَذَلِكَ الْإِعْطَاءُ فِعْلٌ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ كَلَامُهُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عِبَارَةً عَنْ الْعَقْدِ مَجَازًا فَقَوْلُهُ بَيَانُ تَعْبِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا.
وَلَوْ قَالَ نَقَدْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ دَفَعْتَ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَكِنْ لَمْ أَقْبِضْ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ وَالْإِعْطَاءَ سَوَاءٌ كَمَا ثَبَتَ فِي قَوْلِهِ أَعْطَيْتَنِي فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ دَفَعْتَ إلَيَّ وَبَعَّدَتْنِي؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَهَذَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَالَ مَوْصُولًا لَمْ أَقْبِضْهُ كَانَ مُنْكِرًا لَا رَاجِعًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْقَبْضِ.
وَكَذَلِكَ الدَّفْعُ يَسْتَدْعِي مَدْفُوعًا فَقَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْ رُجُوعٌ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا صَحِيحًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَعْطَيْتَنِي فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعَارُ لِلْعَقْدِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْهِبَةَ تُسَمَّى عَطِيَّةً فَجَعَلْنَا كَلَامَهُ عِبَارَةً عَنْ الْعَقْدِ إذَا قَالَ مَوْصُولًا لَمْ أَقْبِضْهُ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّقْدِ وَالدَّفْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.